حكم الزواج من أهل الكتاب في بلاد غير المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

رقم الفتوى: 20
تاريخ الفتوى: الإثنين 19 صفر 1440هــ الموافق 29 تشرين الأول / أكتوبر2018م

السؤال: يسافر عدد مِن الشباب إلى بلدان أوربا وغيرها لأجل العمل أو اللجوء، ويتزوج بعضهم من تلك البلدان، وكثيراً ما تقع المشاكل التي تؤدي إلى الطلاق، وتنص قوانين تلك البلاد على تبعية الأبناء للأم، مما يؤدي إلى نشوء الأبناء على دين آخر، فهل يجوز للمسلم أن يتزوج في تلك البلاد من غير المسلمات؟ كما نأمل بيان حكم زواج المسلمات من رجال أهل الكتاب، جزاكم الله تعالى خيراً.

الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإنّ مِن نعم الله تعالى العظيمة على الإنسان أنْ جعل له زوجاً يسكن إليها، وجعل بينهما مودّة ورحمة، ولما للزواج مِن مكانة كبيرة، وأهمية بالغةٍ في حياة الإنسان، ودور بارز في بناء المجتمع، وأثر كبير في مستقبل الأبناء: فقد عُني الإسلام بتأسيسه على قواعد مستقرة، واعتنى ببيان كلِّ ما يكفل قيامه واستمراره على أسس مستقيمة.
ومِن ذلك الحث على اختيار الشريك المسلم صاحب الدين والاستقامة؛ ليتحقّق التعاون معه على طاعة الله تعالى، وعلى تأسيس أسرة سليمة، وتربية الأولاد على الدين الصحيح، والأخلاق الفاضلة، قال صلى الله عليه وسلم: « … فاظفر بذات الدِّين، تربتْ يداك » متفق عليه، ثم أباح الإسلامُ استثناءً مِن هذا الأصل للرجل المسلم أن يتزوج من الكتابية غير المسلمة رخصةً لمن يحتاج إليها، وذلك بشروط، هي:
1-  أن تكون مِن أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، فلا يجوز الزواج مِن الوثنية، أو التي تعتنق مذاهب إلحادية أو وثنية، قال تعالى مبينًا مَن يجوز الزواج بهن: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة:5]، ومِن حِكَم إباحة زواج الكتابية مِن المسلم أنه قد يكون سبباً في هدايتها.
2- أن تكون عفيفةً عن الزنا، قال تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ﴾ [ المائدة: 5]. ويدخل في ذلك مراعاة العفة والاستقامة في علاقاتها ومظهرها وسائر شؤونها.
3-  أن لا تكون ممن يظهر العداوة للإسلام وأهله، وتسعى في حرب المسلمين وإيذائهم.
4- ألاَّ يؤدّي الزواج بها إلى فتنة المسلم عن دينه، بأن تجره إلى اتباع دينها، أو التخلي عن دينه، أو وقوع الشكّ فيه، وقد قال تعالى في ختام الآيات الواردة في إباحة نكاح الكتابيات: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [المائدة:5].

أما الزواج مِن المرأة الكتابية في بلاد غير المسلمين فقد منع منه كثير من أهل العلم لما يترتب عليه من أضرار بالغة على الأسرة المسلمة، ومنها :
1- فقدان الولاية على الزوجة والعائلة، وعدم تمكن الزوج من القيام عليهم بسبب الخضوع لقوانين تلك البلاد التي تفرض عليه قوانين وأحكامًا تخالف الشرع، وتمنعه من التصرف في أسرته وتربيتها بما يوافق الأحكام الشرعية، لا سيما في أحكام الأسرة والطلاق والحضانة، ونحوها.
2- الخشية على ذرية المسلم أن ينشؤوا على غير دين الإسلام، أو يترَبَّوا على غير الأخلاق الإسلامية، والعادات السوية، والتعوّد على الأوضاع الاجتماعية، والتأثر بما تتضمنه بيئتها التعليمية من مخالفات شرعية.
3- ما يعود به هذا الزواج من أضرار على المسلمين، ومن أشد الضرر انتشار الزواج من غير المسلمات، والعزوف عن الزواج منهن.
وإذا كانت هذه الأمور موجودة في الماضي، فهي في هذا العصر أشد وضوحاً، وأعمق اثراً، ومن خلال ما سبق يتبين أن شروط إباحة الزواج مِن الكتابيات في ديار الكفر غير متوفرة غالباً، مع غلبة المفاسد والأخطار، وبناء عليه فحكمه المنع مالم تتوفر  هذه الشروط وتنتفي تلك الموانع، ويلزم الشباب المسلم أن يسعى إلى الزواج بالنساء المسلمات المقيمات في تلك البلاد، فهو أتقى لله، وأحفظ للدين والأسرة من الضياع، وأدنى لتحقيق العفة للمسلمين والمسلمات.
أما المرأة المسلمة؛ فلا يجوز لها أن تتزوج بغير المسلم إطلاقاً وإن كان من أهل الكتاب، ومهما كان محترمًا لشعائر دينها، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [البقرة:221]، قال الطبري رحمه الله تعالى: (إن الله قد حرَّم على المؤمنات أن ينكِحْنَ مشركاً كائناً من كان المشرك، ومن أيّ أصناف الشرك كان)، وقد أجمع أهل العلم على تحريم زواج المسلمة من غير المسلم كتابياً كان أم غيره، في بلاد المسلمين أو غيرها، والله تعالى أعلم.

وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء

1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد
2- الشيخ أحمد حوى
3- الشيخ أسامة الرفاعي                   
4- الشيخ أيمن هاروش
5- الشيخ عبد الرحمن بكور
6- الشيخ عبد العزيز الخطيب
7- الشيخ عبد العليم عبد الله
8- الشيخ عبد المجيد البيانوني
9- الشيخ علي نايف شحود
10- الشيخ عماد الدين خيتي
11- الشيخ عمار العيسى

12- الشيخ فايز الصلاح
13- الشيخ مروان القادري
14- الشيخ مجد مكي
15- الشيخ محمد جميل مصطفى
16- الشيخ محمد فايز عوض
17- الشيخ محمد الزحيلي
18- الشيخ محمد زكريا المسعود
19- الشيخ محمد معاذ الخن
20- الشيخ ممدوح جنيد
21- الشيخ موسى الإبراهيم
22- الشيخ موفق العمر

 

 

فتوى صدقة الفطر وفدية الصيام لعام 1445هـ

بسم الله الرحمن الرحيم رقم الفتوى: 58 تاريخ الفتوى: السبت 28 شعبان 1445هـ الموافق 09 آذار مارس 2024م الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمـدرسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أولاً: صدقة الفطر: – الأصل في وجوبها: ما ثبت في «الصحيحين»  عن عبد الله بن عمر رضي

فتوى حكم التعامل مع الأموال المصادرة من النظام

بسم الله الرحمن الرحيم رقم الفتوى: 57تاريخ الفتوى: الأربعاء 21 جمادى الآخرة 1445هـ 03 كانون الثاني / يناير 2024م السؤال: أصدر النظام في سوريا مؤخراً عدة قوانين لحجز ومصادرة الأموال، وتخويل النظام التصرف بها، واستثمارها، وبيعها، كالقانون رقم (26) لعام 1445هـ / 2023م؛ والذي ينظم إدارة واستثمار الأموال المصادرة (بحكم

فتوى حكم التَّصرفِ في العقارات دونَ إذنِ المالك

بسم الله الرحمن الرحيم رقم الفتوى: 56تاريخ الفتوى: الثلاثاء 27 صفر 1445هـ 12 أيلول / سبتمبر 2023م السؤال: استأجرتُ بيتاً في الشمال السوري، وبعد مدّةٍ اكتشفتُ أنّ الذي أَجَرني البيت لا يملكه، وصار صاحب البيت يطالبني بأجرته للمدّة السابقة كلِّها، وصديقي استأجر بيتاً في دمشق وحصل معه الأمر نفسه، وآخر