فتوى حكم التَّصرفِ في العقارات دونَ إذنِ المالك

بسم الله الرحمن الرحيم

رقم الفتوى: 56
تاريخ الفتوى: الثلاثاء 27 صفر 1445هـ 12 أيلول / سبتمبر 2023م

السؤال: استأجرتُ بيتاً في الشمال السوري، وبعد مدّةٍ اكتشفتُ أنّ الذي أَجَرني البيت لا يملكه، وصار صاحب البيت يطالبني بأجرته للمدّة السابقة كلِّها، وصديقي استأجر بيتاً في دمشق وحصل معه الأمر نفسه، وآخر اشترى أرضاً ثم بنى عليها مسجدًا، واكتشف أنها ليست لمن باعها، ويحصل في المدة الأخيرة أنّ بعض الفصائل العسكرية تضع يدها على بعض البيوت والعقارات ثم تقوم بتأجيرها أو بيعها، فما الحكم في هذه المسائل جميعها؟ بارك الله تعالى بكم.

الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمـد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإنّه لا يجوز للشّخصِ أنْ يتصرّفَ في مِلك غيرِه دون إذنِه، وإلا فإنّه آثمٌ متعَدٍّ، ويتحمّل ما ينتج عن تصرفاته تلك.
وعموماً فإنَّ مَن يتصرّف في مِلك غيرِه بيعاً أو إجارةً لا يخلو مِن حالين:

الحال الأول: أنْ يكون غيرَ مأذون له في استعمال العقار، بأنْ يكون مستوليًا عليه دونَ وجهٍ حقٍّ، فهذا غصبٌ محرَّمٌ، وأخذٌ لأموال الناس بغيرِ حقٍّ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن اقتطع مِن الأرضِ شِبراً ظلماً؛ طُوِّقَه یوم القیامة مِن سبعِ أرَضینَ» [متفقٌ عليه من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه]، ومَعنى (طُوِّقَه) أي: جُعل طوقاً في عنقِه، وقد أجمع أهلُ العلم على تحريم الغَصبِ، وعلى أنّ الغاصبَ لا يملك ما غصبه بوضعِ يدِه عليه، ولا يحلُّ له ولا يصحُّ استخدامُه ولا تأجيرُه ولا بيعُه ولا التصرفُ فيه دون إذنِ مالكِه.
ولو احتال فسجّله قانوناً باسمه، أو أعطاه القانونُ – أو المتحكّمُ فيه – حقَّ التصرف فيه؛ لم يملك بذلك هذا الحقَّ شرعًا، فحكمُ القاضي أو الحاكم لا يغير مِن حقيقة الغَصب، ولا يُحِلُّ الحرامَ، وقد جاء في حديث أم سلمة رضي الله عنها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أنْ يكون ألحنَ بحجتِه مِن بعضٍ، فأقضي له على نحوِ ما أسمعُ منه، فمَن قطعتُ له مِن حقِّ أخيه شيئاً؛ فإنما أقطع له قطعةً مِن النار») [متفق عليه]، قال النووي رحمه الله تعالى: (في الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار مِن الصحابة والتابعين فمَن بعدهم أنّ حكمَ الحاكم لا يُحِلُّ الباطلَ، ولا يحلُّ حراماً).
فمَن غصب عقاراً؛ فالواجبُ في حقِّه أمورٌ:
1- ردُّ العقارِ المغصوبِ بيتاً كان أو دكاناً أو أرضاً.
2- تعویضُ التلفِ أو التغييرِ أو النقصِ الحاصل في العقار بسبب الغصب؛ ولو حدث دون تعدٍّ منه؛ لأنه داخلٌ في ضمانِ الغصب، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على اليدِ ما أخذتْ حتى تؤدِّيَ» [رواه أبوداود والترمذي وحسنه]، ورواه ابن ماجه بلفظ: (حتى تؤدِّيَه)، جاء في «عون المعبود شرح سنن أبي داود»: (والحديثُ دليلٌ على أنه يجب على الإنسان ردُّ ما أخذته يدُه مِن مالِ غيره بإعارةٍ أو إجارةٍ أو غيرهما إلى مالكِه).
وقد عدَّ الفقهاءُ هذا الحديث مِن القواعد الفقهية، واستدلوا به على أنَّ على الغاصبِ الضمانَ والمسؤولیةَ في تصرفاته في العقار.
3- بطلانُ تصرفاتِ المغتصبِ بالعقار بيعاً وهبةً وإجارةً وغيرها؛ لأنه تصرُّفٌ مِن غير مالكٍ ولا مأذونٍ له، وما استفاده مِن أجرةٍ فيلزمه أداؤها لصاحبِ العقار، فإنْ علم الشخصُ أنَّ هذا العقار مغتصَبٌ: فلا يجوز له شراؤه ولا استئجارُه؛ لأنّ مِن شروط صحة البيع والإجارة أن يكون العقارُ مملوكًا للبائعِ أو المؤجر، أو مأذونًا له في التصرُّفِ فيه، والغاصبُ لا يملك هذا العقارَ، وهو غيرُ مأذونٍ له باستعمالِه، فهو ما زال في مِلك صاحبِه المغصوبِ منه، كما أنَّ فيه تعاوناً على الإثم والعدوان بإقرارِ الغاصبِ على فعله، وتمكينه مِن أكل أموال الناس بالباطل؛ لأنّ المال الحاصل مِن العقار هو نماؤه، وهو مِن حقٍّ مالكه.
4- يجب على الغاصبِ أن يدفعَ لصاحبِ العقار أو الأرضِ المغصوبةِ أُجرة مثل أجرة هذا العقار لحبسه للمغصوبِ ولو لم ينتفع به حقيقةً وفعلاً.
5- كما يجب عليه أنْ يتوبَ مِن ذلك، ومِن التوبة أنْ يردَّ المغصوبَ إلى صاحبِه إنْ علمه، فإنْ لم يعلمْه؛ فليتصدق بثمنِه على الفقراءِ والمحتاجين عن صاحبِه، أو يتركه أمانة باسم صاحبه عند جهة موثوقة.
أمّا مَن اشترى عقاراً أو استأجره ثمّ علم أنّه مغصوبٌ؛ فلا إثمَ عليه، لكن يجب عليه أنْ يُعيدَ العقارَ لصاحبِه إنْ علمه، ويعود بالمطالبة بثمن العقار أو أجرته على الغاصب، وقد صدر بنحو ذلك فتوى (حكم الاستيلاء على الممتلكات في منطقة غصن الزيتون) برقم 19، ويمكن الرجوع إليها.
ولا يجوز لمن اشترى عقاراً أو استأجره من غاصب أن يبقى متمسكاً بالعقار حتى انتهاء العقد، إلا بمقدار ما يستطيع إيجاد بديل له لينتقل إليه، كما لا يجوز له أن يمسك العقار لإجبار صاحبه على دفع مال له ليخرج منه؛ فهو أكل لماله بالباطل.

الحال الثاني: أنْ يكون الشخصُ مأذونًا له في استعمالِ العقار كأنْ يكون مستأجِراً له، أو أَذن له صاحبُ العقار بالانتفاعِ به مجّاناً لكنّه باعه أو آجَرَه لغيره:
فإنْ باعه؛ فهو آثمٌ معْتدٍ بذلك، ولا يصحُّ البيع، ويجب أنْ يعادَ العقارُ إلى مالكِه، وحكمُه حكمُ الغاصب كما سبق.
وأما مَن أذن له مالكُ العقار في الانتفاع به مجّاناً على سبيل الاستعارة (العاريَّة) أو نحوها؛ فليس له أنْ يؤجره لغيره؛ لأنه ليس له أنْ ينتفع بالعقار إلا في حدودِ ما أُذن له فيه.
قال ابن قدامة في «المغني» : (وإن استعار شيئاً..، وليس له أنْ يُؤْجِرَه؛ لأنه لم يملك المنافع، فلا يصحُّ أن يملِّكَها، ولا نعلم في هذا خلافاً).
وجاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية» : (مَن أُبيح له الانتفاعُ بعينٍ مِن الأعيان المملوكة بإذنِ المالك، كالإذن بسكنى داره، أو ركوب سيارته، أو استعمال كتبه، أو ملابسه الخاصة، فليس للمباحِ له أنْ يأذن لغيرِه بالانتفاعِ بها، وإلا كان ضامناً).
وأمّا مَن استأجر مِن غيره عقاراً؛ فيجوز له تأجيرُه لغيره؛ لأنه يملك المنفعةَ بعقدِ الإيجار في مدّةِ العقدِ، فيحقُّ له أنْ يستوفي المنفعةَ بنفسِه أو بنائبه مجانًا وبأجر.
ويشترط في صحة الإجارة هنا أن تكون لمن هو مثلُه في الانتفاع، بأنْ لا يكون أكثرَ ضرراً بالعقار، فمَن استأجر منزلًا للسكن مثلاً؛ فليس له أنْ يؤاجره لمن يتخذُه مَعملاً أو مَشغلاً.
جاء في «مجلة الأحكام العدلية» : (للمستأجرِ إيجارُ ما لم يتفاوت استعمالُه وانتفاعُه باختلاف الناس).
فإن اشترط صاحبُ العقارِ على المستأجر عدمَ الإجارةِ لغيره؛ فليس له إيجارُه لغيره، وفاءً بالعقد بينهما، لا سيما في البلاد التي استقرّ فيها العرف أو جرت فيها الأنظمة على ذلك، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (المسلمون عند شروطهم) رواه أبو داود.

ختاماً: نحذّر جميع إخواننا مِن التساهل في التصرف في أموال الناس بغير حق، ونحثّهم على الحفاظ على أموال إخوانهم الغائبين، والعمل على ردّ الحقوق والمغصوبات إلى أصحابها، والحمد لله رب العالمين.

وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء

1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد
2- الشيخ أحمد حوى
3- الشيخ أحمد زاهر سالم
4- الشيخ تاج الدين تاجـي
5- الشيخ عبد العليم عبد الله
6- الشيخ عبد العزيز الخطيب
7- الشيخ عبد المجيد البيانوني
8 – الشيخ عماد الدين خيتـي
9- الشيخ فايز الصلاح                        

10 الشيخ علي نايف شحود
11-  الشيخ عمار العيسى
12- الشيخ محمد جميل مصطفى
13- الشيخ محمد الزحيلي
14- الشيخ محمد زكريا المسعود
15- الشيخ محمد معاذ الخن
16- الشيخ مروان القادري
17- الشيخ معاذ ريحان

 

 

بيان إثبات دخول عيد الفطر لعام 1445 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبِّينا مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ الأطهارِ وصحبِه الأخيارِ ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وبعدُ: فقدْ قال عليهِ الصلاةُ والسلامُ: “صُومُوا لرؤيتِه وأَفطِروا لرؤيتِه، فإنْ غُمَّ عليكُم فأكمِلوا العدَّةَ ثلاثينَ” وفي رواية ابن حبّان “فصوموا ثلاثين”، وبتوفيقٍ من اللهِ تعالى

بيان بشأن دخول شهر رمضان لهذا العام 1445 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ للهِ القائلِ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}[البقرة:183] والصلاةُ والسلامُ على نبِّينا مُحمَّدٍ القائلِ “صُومُوا لرؤيتِه وأَفطِروا لرؤيتِه، فإنْ غُبِّيَ عليكُم فأكمِلوا عدَّةَ شعبانَ ثلاثينَ” وعلى آلِهِ الأطهارِ وصحبِه الأخيارِ ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وبعدُ:

فتوى صدقة الفطر وفدية الصيام لعام 1445هـ

بسم الله الرحمن الرحيم رقم الفتوى: 58 تاريخ الفتوى: السبت 28 شعبان 1445هـ الموافق 09 آذار مارس 2024م الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمـدرسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أولاً: صدقة الفطر: – الأصل في وجوبها: ما ثبت في «الصحيحين»  عن عبد الله بن عمر رضي