بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى: 22
تاريخ الفتوى: الخميس 30 جمادي الثاني 1440هــ الموافق 07 آذار / مارس 2019م
السؤال: تقع أحياناً حوادث قتل من بعض الأشخاص لقريباتهم بدافع الحفاظ على الشرف أو الانتقام له، فما حكم هذا الفعل؟ وما حكم القاتل؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيمكن تلخيص الإجابة فيما يلي :
أولاً: الزنا كبيرة مِن كبائر الذنوب، ورذيلة من رذائل الأفعال، وقد نهى الشرع عنه في العديد من النصوص، وشرع العديد من الأحكام التي تحفظ الفرد والمجتمع من هذا الفعل الخبيث، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: 32]، ولعظم جريمة الزنى فقد رتب عليها الشرع عقوبةً في الدنيا تختلف باختلاف حال مرتكبها: فالجلد لمن كان بكراً مع تغريب عام، والرجم لمن كان محصناً.
ثانياً : قتل المسلم بغير حق من أعظم الجرائم بعد الشرك بالله ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم» رواه الترمذي والنسائي، فلا يجوز استحلال دم المسلم إلا بسبب شرعي، كما في «الصحيحين» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة».
ثالثاً : الغيرةُ على العرض صفةٌ محمودةٌ، والدفاع عن الشرف ممدوح ويدل على كمال النفس؛ وقد اتصف بهذه الصفة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أغْيَر هذه الأمة، كما روى الشيخان عن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال : ( لو رأيتُ رجلاً مع امرأتي لَضرَبتُه بِالسَّيفِ غيرَ مُصْفَحٍ )، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أتعجبون منْ غَيرةِ سعدٍ؟! لَأنا أَغيَرُ منه، والله أَغيَرُ منّي»، ومعنى (غير مصفَح) : أي غير ضارب بصفح السيف وهو جانبه، بل أضربه بحدّه، ومعلوم أن الغَيْرَةَ المحمودةِ مَحكومةٌ ومقيَّدةٌ بحُكمِ الشَّرعِ، وقول سعد هذا قبل نزول آية اللعان، والغيرةُ المحمودة ما كان له سببٌ مقبول، وأما المبالغة والوسوسة بلا سبب معقول فهي مذمومة؛ فعن جابر بن عتيك رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «مِن الغيرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يُبغض الله؛ فأما التي يحبُّها الله عز وجل فالغَيرة في الرِّيبة، وأما التي يُبغضها فالغيرة في غير ريبة» رواه أبو داود.
رابعاً: إن المسلم يخضع لشرع الله لا للعادات والتقاليد، فالشرع حاكم عليها وليست حاكمة عليه، ومن تلك التقاليد الأخذ بالثأر والقتل بدعوى الحفاظ على الشرف خارج إطار أحكام الشريعة، فالمعتدي مفترٍ على شرع الله ومفتئت عليه، فإقامة الحدود من اختصاص الحاكم أو من يقيمه عليها كالمحاكم الشرعية، وذلك في إجراءات الإثبات والتنفيذ، وليست للأفراد ولا لآحاد الناس، ومن ابتلي بمثل هذا فهو مخير بين الستر والموعظة بالتوبة أو التطليق أو رفع الأمر إلى القضاء.
خامساً : وأما القتل بدافع الحفاظ على الشرف؛ فله صور:
الصورة الأولى: أن يفاجأ الشخص بزوجته أو إحدى محارمه كأخته أو ابنته متلبسة بجريمة الزنا مع رجل أجنبي فيقوم بقتل الفاعل وقد يقتلهما معاً، فإذا أقام القاتل بينة على جريمة التلبس بالزنا بالشهود أو بإقرار أولياء المقتول، فأقوال الفقهاء على عدم القصاص من القاتل على أساس الدفاع عن حق الله، ومن باب الغيرة المنسجمة مع الفطرة، ولأنه داهمه غضب لا يستطيع أن ينفك عنه، ويمكن أن يعاقب أو يعزر بما هو دون القصاص، والمحاكم تراعي هذه الحالة النفسية فتخفف الحكم عن القاتل قدر الإمكان، وأما إن لم يُقم البينة، فقد ذهب الجمهور إلى أنه يقتص منه؛ حفظاً للنفوس ومنعاً لقتلها بالظنون والشكوك في غير محلها، وقيل: لا يقتص، وهذا أمرٌ راجع لنظر القاضي وتقديره.
الصورة الثانية: أن يقتل زوجته بمجرد الاتهام بالزنا من غير بينة، فإن قتلها فحكمه القصاص بالإجماع، إذ كان يجب عليه الإتيان بأربعة شهود يشهدون الشهادة الشرعية المعتبرة في الزنا أو يلاعنها، ومثل ذلك إذا اتهم أخته أو ابنته من غير بينة فلا يجوز له الإقدام على عقوبتها فضلاً عن قتلها، وإن كثيراً من حالات القتل بادعاء الحفاظ على شرف العائلة تكون المرأة فيها مظلومة ظلماً شديداً، فقد تقتل لمجرد الشك في تصرفاتها.
الصورة الثالثة: القتل بسبب مقدمات الزنا، من تقبيل، أو عناق، أو رسائل غرامية، أو خلوة غير شرعية، وما شابه ذلك مما ليس فيه زنا صريح، فهذا لا يحل له القتل بحال، وإنما الواجب في ذلك التعزير ممن له الولاية الشرعية، فمن قتل قريبته بسبب ذلك فقد ارتكب جريمة عظيمة، وكبيرة من كبائر الذنوب، وحكمه القصاص، ويستثنى في كل حالات القصاص المذكورة أن الأب لا يقتل قصاصاً في ابنته مع حمله وزر وكبيرة القتل.
وأخيراً: ينبغي على أولياء الأمور الحرص على زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم، وتربيتهن التربية الصحيحة الصالحة، وأن لا يكونوا سبباً في انحرافهن بالتقصير في حقوقهن، أو منعهن منها، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء | ||
1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد | 12- الشيخ عمار العيسى |
|