بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى: 37
تاريخ الفتوى: الخميس 09 جمادى الأولى 1442هــ الموافق 24 كانون الأول / ديسمبر 2020م
السؤال: بسبب مرض (كورونا) انتشر استعمال المعقمات التي تحتوي على الكحول الصناعـي والمواد المطهرة كالكولونيا وغيرها؛ فهل يجوز استعمال هذه المواد التي تحتوي على الكحول؟ وما حكم استعمالها على الثياب أو الجسد قبل الصلاة مباشرة؟ وما حكم استعمالها لتعقيم اليدين عند البدء بالطعام؟ وفي تعقيم سجاد أو جدران المساجد؟ وهل يجب غسل اليدين أو الثياب منها قبل الأكل أو الصلاة؟ وهل يجوز حمل عبوة الكحول الصناعي في الجيب أثناء الصلاة؟ وما حكم استعمال هذا الكحول في التراكيب الدوائية؟ وما حكم استعماله في تطهير أواني الطعام؟
الجواب: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ. وبعد؛ فنسأله تعالى أن يرفع البلاء، ويشفي مرضى المسلمين، ويرحم موتاهم، أما استخدام المعقمات المذكورة فأحكامها كما يلي:
أولاً: أجمع العلماء على تحريم الخمر وعلى القول بنجاستها معنوياً، و اختلفوا في نجاستها حسياً على قولين : الأول: إنها نجسة، وذهب إليه جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرها. الثاني: ليست نجسة، وذهب إلى ذلك بعض العلماء من المتقدمين والمتأخرين، وكثير من الفتاوى المعاصرة اعتمدت هذا القول، فالخلاف في المسألة معتبر، وهو محل نظرٍ واجتهاد، وعلى هذا من قال بنجاستها ونجاسة الكحول؛ جعلوا استعمال الكحول من قبيل عموم البلوى والضرورة والحاجة.
ثانياً: ذهب كثير من الباحثين والعلماء المعاصرين إلى أن الكحول الصناعي الحديث لا يُعدُّ خمراً، وبالتالي فلا يُقال بنجاسته:
قال الشيخ محمد رشيد رضا في «مجلة المنار» : (وأما الكحول – السبيرتو – ؛ هو سائل قابل للاحتراق، سريع التبخُّر أو الطيران… )، ثم قال: (وهو أقوى المطهرات؛ فإنه يزيل النجاسات والأقذار التي تعسر إزالتها بالماء، وإنما يُستخرج لاستعماله في التطهير الطبي، وتحضير كثير من الأدوية، وحفظ بعض الأشياء من الفساد، وفي الأعطار والأصباغ والوقود والاستصباح وغير ذلك… ، فهو ليس بشراب ولا يمكن شربه؛ لأنه سُمٌّ قاتل، نعم، إن هذا الكحول أو الغَول هو المادة المؤثرة في الخمور؛ التي لولاها لم تكن مسكرة، وأنه إذا وُضع في شراب غير مسكر بنسبة مخصوصة يصير مسكراً، ولكن هذا لا يقتضي أن يسمـى هو خمراً لغةً ولا شرعاً ولا عُرفاً).
وعلى ذلك تتابع أكثر الفقهاء المعاصرين، فقد أقرَّ (مجمع الفقه الإسلامي الدولي) في قراره رقم 210 (6/22) في التوصية الصادرة من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوة: (المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء) التي انعقدت في الكويت بتاريخ 22 – 24 من ذي الحجة عام 1415هــ ، الموافق 22 – 24 مايو عام 1995م، والتي جاء فيها: (مادة الكحول غير نجسة شرعاً، بناء على ما سبق تقريره من أن الأصل في الأشياء الطهارة، سواء أكان الكحول صرفاً أم مخففاً بالماء؛ وعليه: فلا حرج شرعاً من استخدام الكحول طبياً كمطهرٍ للجلد (الجروح) والأدوات، وقاتلٍ للجراثيم، أو استعمال الروائح العطرية (ماء الكولونيا)؛ التي يستخدم الكحول فيها باعتباره مذيباً للمواد العطرية الطيارة، أو استخدام الكريمات التي يدخل الكحول فيها).
ثالثاً: الثابت طبياً أن الكحول الصناعي مفيد في تطهير وتعقيم الأيدي والأدوات والأسطح من الجراثيم، إذا استخدم بنسب معقولة صحيحة، إلى جانب المعقمات الأخرى غير الكحولية، والغسيل بالماء والصابون، ومع أنه يُشابه الخمر في التَّسبب بالسُّكر وإذهاب العقل، إلا أنه سامٌ قد يُسبب الوفاة، أو الضرر الشديد بالأعضاء؛ لذا فإنه لا يُستخدم إلا في الاستعمالات الخارجية للجسم، كما أنَّ هذا الكحول يمتاز بسرعة تلاشيه وتطايره عن الأسطح التي يلامسها، ولا يبقى له أثر بعد مدة، مع رخص ثمنه، وسهولة الحصول عليه، ونقله، واستعماله مقارنة بغيره من أنواع المعقمات.
ونظراً لفاعلية استخدام هذا الكحول الصناعـي في النظافة والتطهير، وسهولة استخدامه، وعموم البلوى باستخدامه، فإننا نفتـي بالتالي:
1- جواز استعمال المعقمات والمطهرات التي تحتوي على الكحول الصناعي (ومنها الكلونيا)، وجواز الصلاة مباشرة بعد تطهير اليدين بها، دون الحاجة إلى غسل اليدين بعدها بالماء.
2- جواز حمل عبوات المعقمات في الملابس والحقائب في الصلاة؛ لعدم نجاستها بالأصل، وللحاجة المستمرة في حملها والتطهر بها، وصعوبة التخلص منها وقت الصلاة، ولو تسرب منها شيء أثناء الصلاة إلى الملابس أو الجسم؛ لم تبطل.
3- جواز استخدام هذه المعقمات في تطهير الأماكن من جدران وساحات وفرش عند الحاجة إليها، والتوصية الطبية بفائدتها.
4- جواز استخدامها في تطهير وتعقيم أدوات المنزل وأدوات الطعام بها، لكن ينظر لمدى الحاجة الطبية لها.
5- جواز تعقيم اليدين بها قبل تناول الطعام دون الحاجة لغسل اليدين بعدها بالماء، لكن لابد من الانتظار لذهاب أثرها حتى لا تؤدي للضرر.
6- جواز بيعها وشرائها وتصنيعها لجواز الاستعمال.
رابعاً: أما استخدام الكحول في العلاج والأدوية؛ فيجوز استخدام الكحول الصناعي في تطهير الجلد للعمليات الجراحية، وتعقيم الجروح، ونحو ذلك من الاستعمالات الخارجية، وتعقيم الأدوات الطبية، حسب الإرشادات الطبية.
كذلك يجوز استخدامها في صناعة الأدوية ما دام ذلك آمناً، ولم يوجد له بديل، جاء في قرارات (المجمع الفقهي الدولي) المشار إليه: (بما أن الكحول مادة مسكرة ويحرم تناولها، وريثما يتحقق ما يتطلع إليه المسلمون من تصنيع أدوية لا يدخل الكحول في تركيبها ولا سيما أدوية الأطفال والحوامل، فلا مانع شرعاً من تناول الأدوية التي تصنع حالياً ويدخل في تركيبها نسبة ضئيلة من الكحول؛ لغرض الحفظ أو إذابة بعض المواد الدوائية التي لا تذوب في الماء، مع عدم استعمال الكحول فيها مهدئاً، وهذا حيث لا يتوافر بديل عن تلك الأدوية، وتوصي الندوة الجهات الصحية المختصة بتحديد هذه النسب حسب الأصول العلمية ودساتير الأدوية).
فإن وجد بديل لبعض الأدوية لا كحول فيه وجب الأخذ به وترك الدواء المحتوي على الكحول، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء | ||
1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد 2- الشيخ أحمد حوى 3- الشيخ أيمن هاروش 4- الشيخ عبد العزيز الخطيب 5- الشيخ عبد المجيد البيانوني 6- الشيخ علي نايف شحود 7- الشيخ عماد الدين خيتـي 8- الشيخ فايز الصلاح | 9- الشيخ مجد مكي 10- الشيخ محمد الزحيلي 11- الشيخ محمد جميل مصطفى 12- الشيخ محمد زكريا المسعود 13- الشيخ محمد فايز عوض 14- الشيخ محمد معاذ الخن 15- الشيخ موسى الإبراهيم |