بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى: 52
تاريخ الفتوى: الثلاثاء 16 رجب 1444هــ – 07 شباط/فبراير 2023م
السؤال: حدث في الزِّلزال المدمّر عدة قضايا نرغب أن نسألكم عن حُكم الشرع فيها: هل يجوز دفع زكاة المال قبل حلول وقتها لمساعدة أهلنا من المتضررين؟ وما حكم من مات تحت الركام من حيث تغسيله وتكفينه ودفنه؟ وهل يأخذ أحكام شهيد المعركة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
فإنّ المصاب جلل والكارثة كبيرة، وإنّ القلب ليحزن وإنّ العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا تبارك وتعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وهذا تفصيل الجواب:
أولاً: تعجيل الزّكاة بعد اكتمال النّصاب وقبل حلول وقتها جائز، وهو قول جمهور أهل العلم، ودليلهم الحديث الذي رواه أَبو داود والترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أنَّ العباس سأَل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلَّ فرخَّص له في ذلك)، قال الإمام النووي في “المجموع”: “وَلَهُ التَّعْجِيلُ مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ وَلَوْ بَعْدَ لَحْظَةٍ مِنْ انْعِقَادِهِ”.
وقد أجاز أهل العلم تعجيل الزّكاة لسنة، وأجاز بعضهم أن تُعجَّل لسنتين، ومن حيث الواقع الحاصل فإن الضرر كبير، والحاجة شديدة، لذا فإننا ندعو أصحاب الأموال والقادرين إلى المسارعة بدفع زكاة أموالهم ولو مقدماً لِسدِّ الحاجة الشّديدة، كما ينبغي على كل مستطيع أن يَهبَّ إلى نجدة إخوانه من الصدقات العامة.
ثانياً: يجوز أن تُغطّى نفقات المستشفيات الميدانية وأجور الأطباء من أموال الزّكاة، كما جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي رقم (7) في دورته (9)، بتاريخ 16/10/1425، وفيه: “والإنفاق على الفقراء والمحتاجين من أموال الزكاة لا يقتصر على إطعامهم وكسوتهم فقط، بل يشمل كل ما تتم به كفايتهم وتنتظم به حياتهم، ومنها المشاريع الصحية والمدارس التعليمية ونحوها مما يعتبر من ضرورات الحياة المعاصرة”.
ثالثاً: يجوز دفع الزّكاة لإيواء المتضررين من الزّلازل والنّفقة على سكنهم وعلاجهم وطعامهم ونقلهم، فهم بين فقير ومسكين وابن سبيل.
رابعاً: من مات بالزّلزال تحت الرُّكام، فنرجو أن يكون من الشّهداء عند الله تعالى في الآخرة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه) متفق عليه.
لكنهم يعاملون في الدنيا كسائر أموات المسلمين، فيُغَسَّلُون ويُكَفَّنُون ويصلى عليهم، ومن أُخرج بعضُه أو بعض أشلائه فيُغَسَّل ما يوجد منه ويُكّفَّن ويصلى عليه، فإن تَعذَّر تغسيل الميّت أو أشلاؤه فَيُيَمَّم ويُكَفَّن ويصلى عليه، وإن تَعذَّر خلع ثياب الميّت لتغسيله فَيُراقُ عليه الماء من فوق ثيابه، وإن لم يمكن تغسيله أو تيميمه فَيكُفَّن دون غسل أو تيمم، ومن دُفن دون تغسيل أو تكفين فلا شيء عليه، أمّا من دُفن دون صلاة فتُشْرَع صلاة الغائب عليه ولو بعد حين.
خامساً: لإخواننا المنكوبين -فرَّج الله عنهم- الترخص برخص الجمع بين الصلوات إن تعذَّر أو صعب عليهم أداء كل صلاة في وقتها، كما يجوز لهم التيمّم عند فقد الماء أو الخشية من البرد الشديد، حتى تزول عنهم هذه المحنة.
وختاماً: فإننا نحث إخواننا المؤمنين على بذل ما يستطيعون من الأموال والأطعمة وسائر الاحتياجات العينية والخدمية تخفيفاً عن المصابين وإسهاماً في رفع الضر عنهم، ونوصي الجميع بالصبر والالتجاء إلى الله تعالى بالدّعاء أن يرحم الشهداء، ويشفي الجرحى، وَيَرُدّ المفقودين، وأن يلطف بالمنكوبين، إنه خير مسؤول وهو الجواد الكريم.
والحمد لله رب العالمين
مجلس الإفتاء السوري