فتوى أحكام دفن الموتى عند شح الأراضي المخصصة للدفن

بسم الله الرحمن الرحيم

رقم الفتوى: 27
تاريخ الفتوى: السبت 03 ربيع الآخر1441هــ الموافق 30 تشرين الثاني / نوفمبر 2019م

السؤال: نحن في لبنان يوجد عندنا حرج كبير في دفن الموتى السوريين، وحرج آخر في نقله إلى سوريا، فتبرع أهل الخير بمقبرة (وقف) على سفح جبل، وبنوا فوق الأرض قبوراً يدفن فيها الموتى السوريون؛ لعدم إمكانية حفر القبور، والآن امتلأت المقابر، فأرادوا أن يبنوا فوق كل قبر قبراً آخر للحاجة، ولعدم توفر مكان آخر، فهل يجوز هذا الأمر ولا حرج فيه؟ أو على أهل الميت المدفون سابقاً أن ينقلوا الميت المدفون بعد مدة إلى سوريا؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن من تكريم الإسلام للمسلم بعد موته أن يُدفن كل شخص في قبر مستقل عن بقية المسلمين، وأن يكون الدفن تحت الأرض، قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً ‎وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات: 25-26]، قال القرطبي: (ليَسكن فيها حياً، ويدفن فيها ميتاً)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في إرشاد أصحابه لكيفية الدفن: «احفروا وأعمِقوا وأحسِنوا» أخرجه أحمد.
وقد جرت سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفن كل ميتٍ في قبر مستقل، وكان الصحابة والمسلمون بعده على ذلك، قال النووي في «المجموع»: (لا يجوز أن يُدفن رجلان ولا امرأتان في قبرٍ واحدٍ من غير ضرورة).

فإن احتيج إلى دفن ميت آخر في القبر فلا يجوز فتح القبر والدفن فيه، إلا إن بلي الميت الأول، ولم يعد له وجود، قال ابن قدامة في «المغني»: (وإن تيقّن أن الميت قد بَلي وصار رميماً جازَ نبش قبره ودفن غيره فيه، وإن شك في ذلك رجع إلى أهل الخبرة، فإن حفر فوجد فيها عظاماً دفنها وحفر في مكان آخر).

فإن شحَّت الأراضي أو ارتفع ثمنها بما يزيد عن قدرة الناس على توفير قبور جديدة؛ فيجوز أن تكون القبور على طبقات تحت الأرض، بحيث يُجعل أكثر من شخص في حفرة واحدة، ويُفصل بين كل شخصين بفاصل من طوب ونحوه فصلاً تاماً، ثم يوضع الميت الثاني فوقه، وهكذا، ولا يُجمع أكثر من ميت في  قبر واحد دون فاصل، ولا يُكشف عن الميت الأول، حفاظاً على حرمته.
قال السرخسي في «المبسوط»: (وإذا وقعت الحاجة إلى دفن اثنين أو ثلاثة في قبرٍ واحدٍ فلا بأس بذلك به، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أُحد وقال: «احفروا وأَوسعوا، واجعلوا في كل قبرٍ اثنين أو ثلاثة، وقَدِّموا أكثرهم أخذاً للقرآن»، ويجعل بين كل ميتين حاجز من التراب ليصير في حكم قبرين).

أما الدفن على وجه الأرض ببناء أو غيره فلا يجوز، قال ابن عابدين في «حاشيته»: (لا يُجزئ دفنه على وجه الأرض ببناءٍ عليه)، وقال الرملي في «نهاية المحتاج»: (وعُلِم من قوله (حفرة) عدم الاكتفاء بوضعِهِ على وجه الأرض، والبناء عليه بما يمنع ذَينك _ يعني: الرائحة والسباع).

فإن كانت هناك ضرورة شرعية معتبرة في مقامها كالعجز عن حفر الأرض، أو كانت لينة يُخشى عليها من النبش، ولم يوجد أراضٍ غيرها للدفن أو شق على المسلمين ثمنها: فيمكن للضرورة الدفن فوق الأرض، بحيث يُحفرُ في الأرض بقدر الاستطاعة، ويوضع فيها الميت، ثم يُوضع فوقه فاصل ويُدفن فوقه ميت آخر، ولا بأس بدفن عدة أشخاص وتكون القبور بعضها فوق بعض، بشرط الفصل بين الموتى، وأن تكون القبور مصمتة مغلقة على ما في داخلها دون أبواب ولا نوافذ، وأن يوضع كل ميت في قبر مستقل، وأن يكون البناء على قدر القبر دون زيادة، وأن يكون البناء معتدلاً في بنائه ومظهره، وألا يكون على شكل غرف؛ ليتحقق فيها معنى القبر، وتحافظ على ما اشترطه أهل العلم في المقابر.

أما نبش القبر بعد الدفن ونقل الميت إلى بلد آخر؛ فلا يجوز إلا لحاجة معتبرة، ولا حاجة في هذه الحالة، بل يترك الأموات في قبورهم التي دفنوا فيها، وهو أكرم لهم، لحديث ﻋﺎﺋﺸﺔ رضي الله عنها اﻟﺜﺎﺑﺖ ﻓﻲ «سنن ﺃﺑﻲ ﺩاﻭﺩ» وغيره: «كسرُ عظم الميِّتِ كَكَسره حيّاً»، قال الشافعي: (تعني في المأثم)، وقال الدَّردير في «شرح أقرب المسالك»: (والقبر حبسٌ على الميّت لا يُنبش؛ أي: يحرم نبْشُه مادام الميّت فيه، إلا لضرورة شرعيَة).

فإن زالت الحاجة إلى جمع أكثر من ميت في قبر واحد، أو الارتفاع بالدفن على وجه الأرض؛ وجب الرجوع إلى الطريقة المشروعة في الدفن: تحت الأرض، وكل ميت في قبر مستقل.

وأخيراً: فإننا نتوجه لإخواننا في بلدان المسلمين وغيرها بإكرام موتاهم بتيسير دفنهم، ونبذ العصبية الجاهلية؛ فالمؤمنون إخوة، وذمتهم واحدة، ودماؤهم متكافئة، وما يحصل من تأخر أو تعذر في الدفن يتنافى مع الأصل الشرعي في التعجيل بالجنازة ودفنها، ويتحمل جريرته ومسؤوليته من يضع العراقيل، أو يصدر الأوامر، أو يكون سببًا في ذلك أو يوافق عليه، كما نحث القادرين على بذل ما يستطيعون لتسهيل أمور الدفن، من تيسير الإجراءات، وتوفير الأراضي الوقفية، ونحو ذلك، نسأل الله تعالى أن يرحم أموات المسلمين، والحمد لله رب العالمين.

وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء

1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد
2- الشيخ أحمد حوى
3- الشيخ أحمد زاهر سالم                     
4- الشيخ أيمن هاروش
5- الشيخ عبد الرحمن بكور
6- الشيخ عبد العزيز الخطيب
7- الشيخ عبد العليم عبد الله
8- الشيخ عبد المجيد البيانوني
9- الشيخ علي نايف شحود
10- الشيخ عماد الدين خيتي
11 الشيخ عمار العيسى

12- الشيخ فايز الصلاح
13- الشيخ مجد مكي
14- الشيخ محمد الزحيلي
15- الشيخ محمد جميل مصطفى
16- الشيخ محمد زكريا المسعود
17- الشيخ محمد معاذ الخن
18- الشيخ مروان القادري
19- الشيخ ممدوح جنيد
20- الشيخ موسى الإبراهيم
21- الشيخ موفق العمر
22- الشيخ ياسر الجابر

 

 

بيان إثبات دخول عيد الفطر لعام 1445 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبِّينا مُحمَّدٍ وعلى آلِهِ الأطهارِ وصحبِه الأخيارِ ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وبعدُ: فقدْ قال عليهِ الصلاةُ والسلامُ: “صُومُوا لرؤيتِه وأَفطِروا لرؤيتِه، فإنْ غُمَّ عليكُم فأكمِلوا العدَّةَ ثلاثينَ” وفي رواية ابن حبّان “فصوموا ثلاثين”، وبتوفيقٍ من اللهِ تعالى

بيان بشأن دخول شهر رمضان لهذا العام 1445 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ للهِ القائلِ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}[البقرة:183] والصلاةُ والسلامُ على نبِّينا مُحمَّدٍ القائلِ “صُومُوا لرؤيتِه وأَفطِروا لرؤيتِه، فإنْ غُبِّيَ عليكُم فأكمِلوا عدَّةَ شعبانَ ثلاثينَ” وعلى آلِهِ الأطهارِ وصحبِه الأخيارِ ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وبعدُ:

فتوى صدقة الفطر وفدية الصيام لعام 1445هـ

بسم الله الرحمن الرحيم رقم الفتوى: 58 تاريخ الفتوى: السبت 28 شعبان 1445هـ الموافق 09 آذار مارس 2024م الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمـدرسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أولاً: صدقة الفطر: – الأصل في وجوبها: ما ثبت في «الصحيحين»  عن عبد الله بن عمر رضي