بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى: 26
تاريخ الفتوى: الإثنين 07 ربيع الأول 1441هــ الموافق 04 تشرين الثاني / نوفمبر 2019م
السؤال: انتشر التعامل ببعض العملات الإلكترونية عن طريق الإنترنت، مثل البتكوين، فما حكم التعامل بهذه العملات؟ وهل يمكن أن يقع فيها الربا؟ أو تجب فيها الزكاة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فالعملات المشفَّرة (أو الافتراضية أو الرقمية المشفرة أو الإلكترونية) لها أنواع عديدة، ولا يزال الجدل محتدمًا حول اعتبارها وتداولها قانونيًا، ولا يمكن إعطاؤها حكمًا واحدًا عامًا، لذا لابد من التفصيل بالنظر إلى اعتبارات مؤثرة، نجملها بالآتي:
أولاً: بالنظر إلى العملات المشفَّرة فإنها تتشابه في العديد من الأمور، أهمها:
1- أنه يتم إنتاجها برمجيًا في بيئة إلكترونية مشفَّرة، ويكون التعامل بها وتداولها إلكترونيًا، أي ليس لها وجود في الواقع، فهي غير محسوسة كالعملة الورقية.
2- أنها لا مركزية([2])، ولا تصدر بموجب قانون ذي سلطة معتبرة، ولا ترعاها حكومة، بل يغلب عليها الجهالة في المصدر والنشأة، في حين أن العملات هي أحد أوجه السيادة والاستقلال في الحكم وفي الاعتبارات السياسية.
3- عدم وجود مرجعية لتقويمها في التداول والتسعير، ولا مرجعية في الرقابة على السيولة المتدفقة في الأسواق.
4 – هذه العملات المشفرة ليس لها غطاء من الذهب([3]) أو سلة العملات([4]) أو الاحتياطي الأجنبي([5]) أو غير ذلك مما هو متعارف عليه في الاقتصاد النقدي مما يحدد قيمة العملة وقوتها، ولذلك لا تكتسب هذه العملات المشفرة أي قوة ثمنية، وليس لها قانون في إنتاجها واعتبارها ورقابة وجودها في السوق وتقدير ثمنيتها، فهي مجرد أرقام وأشكال إلكترونية مشفرة ببرمجيات معينة لا علاقة لها بالاقتصاد ومبادئه، وإصدار الأموال وأصولها.
5- يحتفّ بهذه العملات مخاطر كثيرة وشبهات واضحة، فعدم وجود اعتبار قانوني لها وضوابط في تداولها والرقابة عليها يعني إمكانية تداولها بطرق إلكترونية مشبوهة، وتصبح سوقًا رائجةً لتجار العملات بطرق غير شرعية، وللعصابات الدولية وعصابات غسيل الأموال، ويقوي ذلك ما تتميز به من اللامركزية عمومًا.
كما أن من المخاطر المحفوفة بها اعتمادها على الشبكة العنكبوتية بالدرجة الأولى وهذا يعني أن أي خطأ تقني في الشبكة أو وجود “هكر” في التقنيات قد يؤدي لضياع هذه العملات الافتراضية المشفَّرة.
ثانيًا: بناء على ما تقدم من تصور فإن المجلس يرى:
1 – حرمة التعامل بهذه العملات المشفرة -كالبتكوين وغيرها- في وضعها الحالي، لما سبق بيانه، فتتعدَّدُ فيها المخاطر والأسباب المؤدية إلى التحريم مِن الجهالة والغرر وشبهة القمار.
2 – إذا أزيلت المخاطر السابقة عن هذه العملات، بأن صدرت عن مصارف مركزية، أو مؤسسات موثوقة، واعتُمدت باعتبارها عملات لها قيمة وثمنية مُقدَّرة وفق آليات محددة، واشتملت على آليات واضحة لمنع التلاعب بها واستخدامها بعمليات غير سليمة، كما بدأ يصدر في بعض الدول، فلا مانع من التعامل بها بعد النظر في حالها، ما لم يختلط بها ما يقتضي منعها من ربا أو غيره من المحرمات.
3- مع القول بمنع التعامل بهذه العملات، ووجوب التخلص منها، إلا أنه ما دام العرف عند من ينتجها ويتعامل بها على أنها عملة لها قيمتها، ويقع بها التعامل، وأن فيها شبهًا بالنقود وإن كانت ليست كذلك: فتُعامل معاملة النقود الحقيقية من حيث وقوع الربا فيها، ووجوب الزكاة فيها.
وأخيرًا: فإننا نحذر إخواننا من الانجرار وراء الدعايات غير الموثوقة، والرغبة في الثراء السريع، وأوهام الغنى الكبير، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء | ||
1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد | 12- الشيخ فايز الصلاح |
[2]- عملات لا مركزية: عملات ليس لها إدارة إصدار نقدي محددة، ولا تخضع لأنظمة البنوك المركزية.
[3]- الغطاء الذهبي: نظام مالي يستعمل فيه الذهب قاعدة لتحديد قيمة العملة الورقية.
[4]- سلة العملات: عدة عملات مختارة على أساس قيمتها الإجمالية يتحدد سعر الصرف للعملات غير المشمولة في السلة.
[5]- الاحتياط الأجنبي: الودائع والسندات من العملة الأجنبية فقط التي تحتفظ بها المصارف المركزية والسلطات النقدية.