فتوى حكم تغيير الاسم والشهرة

بسم الله الرحمن الرحيم

رقم الفتوى: 48
تاريخ الفتوى: الخميس 16 ذو القعدة 1443هـ 16 حزيران / يونيو 2022م

السؤال: تتيح بعض البلاد للمتجنسين الجدد حق تغيير الاسم عند الحصول على الجنسية، فما حكم ذلك في الشرع؟

الجواب: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدنا محمَّدٍ رسول الله وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
أما بعدُ: فإن الاسم هو ما يعرف به الشخص، وتتحدد به هويته، ويتميز عن غيره من الأشخاص؛ لذا فإن الأصل الحفاظ عليه وعدم تغييره، وكذا اسم العائلة (الشهرة)، ولا يباح من ذلك إلا الحاجة الشديدة بضوابط كما سيأتي.

أولاً: للاسم أهمية كبيرة للشخص؛ فبه تحدد هويته، ويُعرف، ويُميز عن غيره من الأشخاص، وعلى أساسه تجرى العقود، وتحدد الحقوق والواجبات، كما أن الاسم يتجاوز تعلقه بالشخص المسمى إلى غيره من أبناء وآباء، وبقية العلاقات في المجتمع، لذا ورد في الإسلام تشريعات عديدة تتعلق بالاسم؛ فقد حثَّ على المبادرة بتسمية المولود وعدم التأخر بها، بل شرع تسميته حتى لو مات، قال النووي رحمه الله: (قال أصحابنا: لو مات المولود قبل تسميته؛ استُحِب تسميته)، كما حث على التسمي ببعض الأسماء، وفضلها، ونهى عن التسمي ببعضها ابتداء، مما يدل على مدى اهتمامه بهذه المسألة والعناية بها.

ثانياً: حافظ الإسلام على أسماء الناس بعد إسلامهم ولم يغيرها، ولو كانت بغير اللغة العربية، فبقيت أسماء الصحابة، وأسماء الشعوب التي دخلت في الإسلام أو هاجرت إلى بلاد المسلمين، مما يدل على أن الأصل ثبات الاسم وعدم تغييره ولو تغير الدين أو البلد، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم غَيَّر أفراد بعض أسماء الرجال والنساء إن كان معناه قبيحاً أو فيه معنى غير شرعي، أو كان مسيئاً لصاحبه، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير الاسم القبيح) رواه الترمذي، وقال ابن القيم في «تحفة المودود» : (وهذا باب عجيب من أبواب الدين، وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول، وتنفر منه النفوس، إلى الاسم الذي هو أحسن منه والنفوس إليه أمْيَل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الاعتناء بذلك)، مما يشير إلى تضييق حالات تغيير الاسم، وأنها ليست الأصل في التعامل ولا العمل.

ثالثاً: اسم العائلة أو ما يعرف بـ (الشهرة) في الوقت الحالي لها مكانة هامة في النسب، بل إنها في التعريف بالأشخاص أهم من سلاسل النسب في العديد من الأحيان، وبغض النظر عن كيفية نشوئها وسببها؛ هل هي نسبة للبلاد، أم المهنة، أم لجد من الأجداد، أم لمذهب من المذاهب، أم لحادثة من الحوادث أم غير ذلك.. إلا أنها أصبحت الأساس في التعريف بالأشخاص، مما يترتب عليه إثبات الأنساب، والحقوق والواجبات الشرعية، والتوارث، وتحمُّل الديات، ونحوها..

 رابعاً: ورد في الشرع الأمر بالحفاظ على الأنساب لما لها من مكانة عالية، فشرع العديد من أحكام الطلاق، والعدة، وغيرها لضمان عدم اختلاطها، ثم أمر بضبطها، وإلحاق كل شخص بنسبه، قال تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: 5]، وحذَّر تحذيراً شديداً من العبث بها وبتغييرها، والانتساب إلى غير القوم؛ فجعله من الكفر الأصغر وكبائر الذنوب، وأوقع على فاعله اللعنة، وتوعده بتحريم دخول الجنة؛ لما يترتب على ذلك من آثار خطيرة.
قال صلى الله عليه وسلم : « لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْماً لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الفِرَى: أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُول عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ» رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم : « مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ: فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم : « مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ؛ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفاً، وَلَا عَدْلاً» رواه مسلم.
قال النووي في «شرح صحيح مسلم» : (هذا صريحٌ في غِلَظِ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه…؛ لما فيه مِن كفر النِّعمة، وتضييع حقوق الإرث، والولاء، والعَقل _ الديات _ وغير ذلك، مع ما فيه مِن قطيعة الرحم والعقوق)، لذا؛ كان الحفاظ على الأنساب من الضروريات الكبرى التي جاء بها الإسلام.

 خامساً: من أخطر ما يعمل عليه الطائفيون في بلاد العالم الإسلامي وسورية خصوصاً: إحداث التغيير الديمغرافي فيها، ومن وسائل ذلك: تهجير أهل السنة، وإتلاف ممتلكاتهم ووثائقهم، وإعادة توطين شذاذ الآفاق ومنحهم الجنسية وتغيير أسمائهم بما يتوافق مع أسماء أهل البلاد الأصلية وكناهم، كما تعمل بعض الأنظمة الإجرامية على العبث بأسماء العوائل ونسبها لقطع الصلة بينها وبين ماضيها، وبينها وبين الأمة الإسلامية، وتضييع هويتها، وقد تكرر هذا في التاريخ كما حصل في الأندلس.
وهناك فرق بين تغيير الإنسان الفرد لاسمه بناء على أسباب مشروعة كحرمة الاسم أو قبحه، وفي مجتمع مستقر آمن يعرف الناس فيه بعضهم بعضًا، ويُثبَّت في الدوائر الحكومية، وبين تغيير الآلاف لأسمائهم بعد هجرة وتهجير جماعي، خاصة إن ترافق معه فقدان الأوراق الثبوتية الأصلية، واندماج في لغة البلد المتجنس فيها، فهذا يؤدي إلى مشاكل لغوية وثقافية أخرى، ومع طول العهد والتوطين سيؤدي إلى ضياع جزء كبير من تاريخ العوائل وأنسابها، بالإضافة للخطر على التركيبة السكانية.

 سادساً: بناء على ما سبق: فإن الأصل في تغيير الاسم أو النسبة عند التجنيس هو المنع، وما زال المسافرون والمهاجرون ينتقلون بين البلدان ويحصلون على جنسيات أخرى منذ عشرات السنين دون تغيير للأسماء والأنساب، كما أن تغيير الاسم لا يترتب عليه تلك الفوائد المتوهمة من اندماج في المجتمع ونحوها، والتي يمكن تحصيلها بغير هذه الطريقة.
ويستثنى من ذلك جواز تغيير الاسم الشخصي أو اسم العائلة في حالات:
1- أن يكون التغيير لحاجة حقيقية أو ضرورة، كالخشية من الملاحقة أو المتابعة الأمنية، والتي يخشى فيها من القتل أو الاعتقال.
2- تغيير طريقة كتابة الاسم ليوافق طريقة النطق في اللغة المتجنس بها: فلا بأس به؛ لأن الاسم يبقى والتغيير الطارئ عليه قليل، وكذا إضافة لواحق لاسم العائلة لتبدو  كأسماء أهل البلد.
3- إن كان المعنى في لغة البلد المتجنس بها قبيحاً.
وحين ذاك يشترط ما يلي:
1- الاقتصار على قدر ما تندفع به الحاجة؛ فإن كان تغيير طريقة كتابة الاسم، أو إضافة لواحق لاسم العائلة يكفي فلا ينتقل لغيرها.
2- في تغيير اسم العائلة: يشترط أن لا يكون في ذلك انتساب أو إيهام بالانتساب لعائلة أخرى معروفة، والأفضل في هذه الحالة الانتساب لأحد الأجداد؛ فهذا أصدق وأصح.
3- ألّا يكون الاسم الذي تم التغيير إليه خاصاً بأهل ملل أخرى بحيث يصبح عَلَماً عليهم؛ بحيث يُشعِر أن المتسمي به من غير من غير المسلمين.
4- الاحتفاظ بالوثائق الأصلية وما يثبت الاسم قبل تغيير الجنسية؛ للحفاظ على النسب وعدم ضياعه، والتمكن من إثباته في المستقبل عند الحاجة إليه.

والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.

وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء
1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد
2- الشيخ أحمد حوى
3- الشيخ عبد العليم عبد الله
4- الشيخ عبد العزيز الخطيب
5- الشيخ عبد المجيد البيانوني
6- الشيخ علي نايف شحود
7- الشيخ عماد الدين خيتـي
8- الشيخ فايز الصلاح
9-  الشيخ محمد جميل مصطفى
10- الشيخ محمد الزحيلي
11- الشيخ محمد زكريا المسعود
12- الشيخ محمد معاذ الخن
13- الشيخ مروان القادري
14- الشيخ ممدوح جنيد
15- الشيخ موفق العمر
16- الشيخ ياسر الجابر

فتوى صدقة الفطر وفدية الصيام لعام 1445هـ

بسم الله الرحمن الرحيم رقم الفتوى: 58 تاريخ الفتوى: السبت 28 شعبان 1445هـ الموافق 09 آذار مارس 2024م الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمـدرسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أولاً: صدقة الفطر: – الأصل في وجوبها: ما ثبت في «الصحيحين»  عن عبد الله بن عمر رضي

فتوى حكم التعامل مع الأموال المصادرة من النظام

بسم الله الرحمن الرحيم رقم الفتوى: 57تاريخ الفتوى: الأربعاء 21 جمادى الآخرة 1445هـ 03 كانون الثاني / يناير 2024م السؤال: أصدر النظام في سوريا مؤخراً عدة قوانين لحجز ومصادرة الأموال، وتخويل النظام التصرف بها، واستثمارها، وبيعها، كالقانون رقم (26) لعام 1445هـ / 2023م؛ والذي ينظم إدارة واستثمار الأموال المصادرة (بحكم

فتوى حكم التَّصرفِ في العقارات دونَ إذنِ المالك

بسم الله الرحمن الرحيم رقم الفتوى: 56تاريخ الفتوى: الثلاثاء 27 صفر 1445هـ 12 أيلول / سبتمبر 2023م السؤال: استأجرتُ بيتاً في الشمال السوري، وبعد مدّةٍ اكتشفتُ أنّ الذي أَجَرني البيت لا يملكه، وصار صاحب البيت يطالبني بأجرته للمدّة السابقة كلِّها، وصديقي استأجر بيتاً في دمشق وحصل معه الأمر نفسه، وآخر