بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى: 29
تاريخ الفتوى: الأربعاء 02 رجب 1441هــ الموافق 26 شباط / فبراير 2020م
السؤال: نتيجة القصف والاجتياح من النظام النصيري وأعوانه نزحت عشرات آلاف العوائل من بيوتها وبلداتها ولجأت إلى بلدات أخرى أكثر أماناً، ولأن البيوت لم تعد تسع هذا الكم الكبير.. لجأت بعض العوائل إلى الإقامة في المساجد والمدارس وغيرها من المباني، وقد يمضي وقت تكون فيه المرأة حائضاً حال إقامتها في تلك المساجد، فهل تجوز الإقامة في هذه الحال؟ وهل يجوز تعطيل الجمع والجماعات لأجل إقامة تلك العوائل في تلك المساجد؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإنّ إيواء النازحين واستقبال المهجَّرين، وتقديم ما يحتاجونه من طعام وشراب ودواء من أجَلّ القربات، وأهم الواجبات في هذا الوقت الذي تجتمع فيه شدة نيران الحروب وبرد الشتاء؛ لما فيه من إعانة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين، وقضاء حقهم، وحفظ أنفسهم من الهلاك، ومَن أدى شيئاً مِن ذلك فيُرجى له الأجر العظيم من الله تعالى، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نَفَّسَ عن مؤمن كُربة من كُرب الدنيا، نَفَّسَ الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن يَسَّر على مُعسِر، يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة» رواه مسلم.
ولأن الواجبات الشرعية تكون بحسب الطاقة والوسع فينبغي العمل على استقبالهم فيما يمكن من البيوت، والمزارع، ونحوها، ويمكن إيواؤهم مؤقتاً فيما يتوفر من مدارس وقاعات، ومرافق عامة لأجل ذلك إلى أن يتيسر توفير ما يناسبهم من بيوت أو خيم ونحو ذلك؛ لأن هذه الأموال والأملاك لعموم المسلمين، ويجب بذلها للتخفيف عنهم، فإن ضاقت هذه الأماكن، أو لم تتوفر، ولم يوجد إلا المساجد فيجب إيواؤهم فيها؛ حفظاً لأنفسهم من الهلاك.
وقد ثبت في حديث عائشة رضي الله عنها : أَنَّ امرأة سوداء كانت لقوم من العرب فأعتقوها، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، قالت عائشة: (فكان لها خِباءٌ [أي خيمة] في المسجد) رواه البخاري في (باب: نوم المرأة في المسجد)، قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» : (وفي الحديث إباحة المبيت والمَقِيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلاً كان أو امرأة)، وهذا في الحال المعتاد، فكيف بأحوال الحاجة والضرورة؟!
ويجوز في هذه الحالات الشديدة دخول النساء الحيض للمساجد؛ لأن حفظ الأرواح مُقدَّم على النهي عن دخولهن المساجد، جاء في «الفتاوى الهندية» : (يحرم عليهما [أي: الحائض والجنب] الدخول في المسجد سواء كان للجلوس أو للعبور)…. إلى أن قال: (وكذا الحكم إذا خاف الجنب أو الحائض سبعاً أو لصاً أو برداً فلا بأس بالمقام فيه).
ولا يلزم من إيواء المهجّرين أن تعطل المساجد عن الجمع والجماعات، فالمقيمون مسلمون، وسيصلون مع المسلمين في أوقات الصلاة، ويُرشدون إلى ذلك ويعلَّمون إن حصل منهم تهاون أو كان فيهم جهل، وينظر في ترتيب أماكن الإقامة والأمتعة بحيث لا يُضيَّق على المسلمين وقت الصلاة، ما أمكن.
وختاماً: فإننا نتوجه إلى عموم المسلمين؛ أن يتقوا الله في إخوانهم الذين نزل بهم من البلاء والحاجة ما لا يعلمه إلا الله، ولا يخفى أن مساعدة المنكوبين وإيواء المهجّرين من فروض الكفايات التي يلزم الأمةَ تحقيقها، وإلا وقع الإثم على كل قادر يترك ما يلزمه تجاه إخوانه.
كما نحث أهل تلك المناطق خصوصاً أن يقوموا بحق إخوانهم النازحين والمهجرين في الإيواء والتخفيف من المصاب، وبذل الأماكن والأمتعة لهم، وعدم الإغلاء عليهم فيها، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِن عبد أنعم الله عليه نعمة فأَسبَغها عليه، ثم جعل شيئاً من حوائج الناس إليه فتَبرَّم، فقد عَرَّض تلك النعمة للزوال» رواه الطبراني في «المعجم الأوسط»، وجوّد إسنادَه المنذري والهيثمي، [ومعنى (فأسبغها): فأتمها. و(فَتَبَرَّمَ): أي تضجَّر منها].
كما نتوجه بالشكر والثناء والدعاء للمؤسسات المحلية والإغاثية ومديريات الأوقاف التي أسهمت في تخفيف المعاناة عن إخواننا المهجرين، ونحث البقية على أن يحذوا حذوهم.
ونوصي إخواننا المهجَّرين بحسن المُقام في تلك الأماكن، والحفاظ عليها، والتحوُّل عنها في حال توفر غيرها؛ تحقيقاً لصالح المسلمين العام، والحمد لله رب العالمين.
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء | ||
1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد 2- الشيخ أحمد حوى 3- الشيخ أحمد زاهر سالم 4- الشيخ أسامة الرفاعي 5- الشيخ أيمن هاروش 6- الشيخ تاج الدين تاجي 7- الشيخ عبد الرحمن بكور 8- الشيخ عبد العزيز الخطيب 9- الشيخ عبد العليم عبد الله 10- الشيخ عبد المجيد البيانوني 11- الشيخ علي نايف شحود 12- الشيخ عماد الدين خيتي 13- الشيخ عمار العيسى | 14- الشيخ فايز الصلاح 15- الشيخ محمد الزحيلي 16- الشيخ محمد جميل مصطفى 17- الشيخ محمد زكريا المسعود 18- الشيخ محمد فايز عوض 19- الشيخ محمد معاذ الخن 20- الشيخ مجد مكي 21- الشيخ مروان القادري 22- الشيخ ممدوح جنيد 23- الشيخ موسى الإبراهيم 24- الشيخ موفق العمر 25- الشيخ ياسر الجابر |