بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى: 12
تاريخ الفتوى: الثلاثاء 25 جمادى الآخرة 1439هـ الموافق 13 آذار 2018م
السؤال: عندنا في مدينة الباب مساجد تهدمت من القصف، ونريد الآن إعادة إعمارها، فهل يجوز لنا أن نبني محلات تجارية على أرض المسجد تكون تابعة للأوقاف، وفوق المحلات نبنبي المسجد على نفس المساحة الموقوفة للمسجد؛ لكي نستفيد من المحلات التجارية للإنفاق على المسجد؟ أجيبونا للضرورة بارك الله فيكم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد؛ فيجوز رفع المسجد للطابق الثاني، وبناء المحلات التجارية تحته تحقيقاً لمصلحة الوقف مع اعتبار الضوابط الشرعية في ذلك، وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: رفع المسجد واتخاذ محلات تجارية تحته يدخل في مسألة مناقلة الوقف وتغيير بنائه إذا اقتضت مصلحتُه ذلك، وقد نصّ فقهاء الحنابلة وغيرهم على جوازها لتحقيق مصالح الوقف من غير إخلال بمقصود الوقف، ومما يدلّ على جواز نقل الوقف في حال تعطل الاستفادة منه، أو ظهور مصلحة في نقله أكبر من مصلحة بقائه في مكانه ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير: أنّ عمر بن الخطاب أمر عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما بنقل أحد مساجد الكوفة مِن مكانه للمصلحة الراجحة.
جاء في “مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى” تعليقاً على هذه الحادثة بأنها ” اشتُهرت بالحجاز والعراق، والصحابةُ متوافرون، ولم يُنقل إنكارها، ولا الاعتراض فيها مِن أحد منهم، بل عمرُ هو الخليفة الآمر، وابنُ مسعود هو المأمور الناقل، فدلّ هذا على مساغ القصة والإقرار عليها والرضا بموجبها”.
وقد سئل الإمام أحمد عن مسجد أراد أهلُه أن يرفعوه ويجعلوا تحته محلات تجارية وسبيل ماء، ورفض بعضُ جماعة المسجد فأفتى بأنه يؤخذ برأي أكثرهم، قال ابن قدامة في “المغني”: ” قال أحمدُ في رواية أبي داود، في مسجدٍ أراد أهلُه رفعَه مِن الأرض، ويُجعل تحته سقايةً وحوانيت، فامتنع بعضُهم من ذلك: فيُنظر إلى قول أكثرهم”
قال ابن تيمية في “مجموع الفتاوى”: “وأما تغيير صورة البناء من غير عدوان، فيُنظر في ذلك إلى المصلحة، فإن كانت هذه الصورة أصلح للوقف وأهله أقرت، وإن كانت إعادتها إلى ما كانت عليه أصلح أعيدت، وإن كان بناء ذلك على صورة ثالثة أصلح للوقف بنيت، فيُتّبع في صورة البناء مصلحة الوقف، ويدار مع المصلحة حيث كانت. وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين – كعمر وعثمان – أنهما قد غيرا صورة الوقف للمصلحة، بل فعل عمر بن الخطاب ما هو أبلغ من ذلك، حيث حول مسجد الكوفة القديم فصار سوقَ التّمارين، وبنى لهم مسجداً في مكان آخر” ، وبناء على هذا القول لا يكون لهذه المحلات التجارية حكم المسجد من حيث مكوث الجنب والحائض، قال الرحيباني في مطالب أولي النهى: “والظاهر أنه يجوز لِجُنُب ونحوه الجلوسُ بتلك الحوانيت لزوال اسم المَسجديّة”.
ثانيًا: ذكر أهل العلم جملة من الاشتراطات والضوابط التي لا بدّ من مراعاتها في هذا التغيير والاستثمار:
1- أن تبقى ملكية هذه المحلات وقفًا تابعاً للمسجد، ويكون استثمارُها لمصلحة المسجد الذي بنيت على أرضه.
2- من حق ناظري الوقف العودة عن إيجار المحلات وإرجاعها لأصلها عند انتفاء الحاجة منها، أو قيام الحاجة إلى زيادة مساحات الصلاة.
3- أن لا تؤجر هذه المحلات بأقل من أجرة مثلها.
جاء في الفتاوى الهندية: “ولا تجوز إجارة الوقف إلا بأجر المثل”.
4- ألا يؤثّر بناء المحلات على مساحة المصلى، فلا تقل مساحة بناء المسجد الجديد عن القديم.
5- ألا يؤثر التصميم الجديد على دور المسجد في الحي.
6- ألا تؤجر المحلات لما يؤثر على مكانة المسجد أو الهدوء والسكينة اللازمة لأجوائه كالمحلات التي فيها ضجيج، أو التي تبيع ما يتنافى مع مكانة المسجد.
7- أن يراعى في التصميم سهولة الدخول والخروج، ووصول المصلين إليه، ككبار السن، أو الأطفال والنساء والمرضى، فلا يرفع المسجد أكثر من دور،. ويمكن أن يزود بالمصاعد أو السلالم الكهربائية، وكذلك يراعى بُعد مداخل الأسواق عن مداخل المسجد، وألا يؤثر البناء العام على شكل المسجد.
8- أن يُبنى هذا القرار على المصلحة الراجحة المتحققة التي تقررها الجهة القائمة على هذا المسجد، وبعد استشارة أهل الحي، وأخذ مرئياتهم ومقترحاتهم، والله تعالى أعلم (1)
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء | ||
1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد | 12- الشيخ فايز الصلاح |
|
————————————————————————————-
1)- للمزيد حول هذه المسالة ينظر: فتوى (حكم هدم مسجد وإعادة بنائه وتوسعته وجعله في الطابق الثاني) للجنة برئاسة الشيخ مصطفى الزرقا، وبحث: استثمار الوقف وطرقه القديمة والحديثة إعداد أ. د. علي محيي الدين القره داغي، ضمن كتاب مجلة مجمع الفقه الإسلامي (13/466).