بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى: 31
تاريخ الفتوى: الاثنين 13 شعبان 1441هــ الموافق 06 نيسان / أبريل 2020م
السؤال: يلبس الأطباءُ والممرّضون الذين يتعاملون مع مرضى الأوبئة المعدية بما فيها “كورونا” ملابسَ عازلة، ويُضطرون إلى البقاء فيها لساعات طويلة لمتابعة المرضى، فكيف يصلّون ويتوضؤون في هذه الحالات، وما هي الأحكام المتعلقة بذلك؟ كما نريد أن نسأل عن كيفية تغسيل موتى هذه الأمراض وتكفينهم والصلاة عليهم؛ مع الخشية من انتقال العدوى منهم؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فإن الواجب في نازلة الأمراض المعدية وشديدة الخطورة أخذ الحيطة والحذر في التعامل مع مصادره المحتملة، وحماية النفس والمجتمع منه؛ أخذاً مِن عموم قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]، وعملاً بالقواعد التي قررها أهل العلم باستقراء النصوص الشرعية كقاعدة: (المشقة تجلب التيسير)، و: (ولا تكليف إلا بمقدور)، و: (ولا واجب مع العجز)، ونحوها… وبناءً على ذلك فنلخّص الإجابة عن السؤال في الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا المرض مِن حيث الطهارة والصلاة والجنائز كما يلي:
أولاً: الطبيب أو الممرض ومَن في حكمهما كمن يعمل في الفحص الطبي ورعاية المرضى والإشراف عليهم، ويرتدون ألبسة العزل الطبي، فإننا ننصحهم أن يكونوا على طهارة ووضوء عند لبسها؛ ليمسحوا على الخفين عند الحاجة إليه، فإذا حضرت الصلاة واحتاجوا للوضوء: فإنْ أمكن خلع تلك الملابس دون مشقة أو ضرر: فيجب خلعُها والوضوء، ويكفي في ذلك كشف أعضاء الوضوء دون بقية الجسم، فيغسل هذه الأعضاء ويمسح على الخفين إذا لبسهما على طهارة، فإن عجز عن كشف أعضاء الوضوء وغسلها فلا يمسح على الملابس فوقهما، بل يتنقل إلى التيمم، وكذلك المريض: إن أمكنه الوضوء فيجب عليه الوضوء، وإن أمكنه غسل بعض أعضائه فيغسلها، فإن شقَّ على الطبيب خلع ملابس العزل تلك، أو شق على المريض أو من يقوم عليه إعانتُه على الوضوء: فينتقل للتيمم، ويكفي للتيمم كشف الوجه والكفين، ويكون التيمم لكل وقت صلاة بعد دخول وقتها، ويصلي بذاك التيمم الفرض وما شاء من النوافل.
ثانياً: يجب على كلٍّ مِن الطبيب والمريض أداءُ كلِّ صلاة في وقتها، وتصلى جماعة ما أمكن، وإن لم يمكن فيصليها منفرداً في وقتها، أما إن عجز الطبيب عن أداء كل صلاة في وقتها بسبب الانشغال بالمرضى، أو عجز المريض عن ذلك بسبب شدة الألم أو غير ذلك من الأسباب: فيجوز جمع صلاة الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء جمع تقديم: بأن يصلي الظهر والعصر وقت الظهر، أو يجمعهما جمع تأخير فيصلي الظهر والعصر في وقت العصر، أيهما أيسر، ولا بد في جمع التأخير أن ينوي الجمعَ في وقت الصلاة الأولى ليُباح له تأخيرُها عن وقتها، ومن علم أنه يعسُر عليه خلع هذه الملابس للوضوء فيما بعد: فيجوز له الجمع بين الصلاتين جمع تقديم قبل لبسها؛ أخذاً بالقواعد الشرعية في التخفيف ورفع الحرج، وهذه الحالات من أشدِّ الحرج، كما أن فيها مصالح متعدية للغير.
ثالثاً: تغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه واجب كفائي، وهو حقٌّ من حقوق الميت، وهو في مثل هذه الأحوال يتم بإشراف الجهات الرسمية غالباً، فإن أمكن تغسيل موتى هذه الأمراض: فينبغي تغسيلهم مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة من لبس الملابس المخصصة واستخدام المواد المعقمة ونحو ذلك… وإن تعذر تغسيلهم لشدة المرض أو الخشية من انتشاره، أو كون الجثث متفسخة ونحو ذلك:
يكتفى بصب الماء عليها دون تدليك، فإن تعذر أو شقَّ فينتقل إلى التيمم؛ فيضربُ المغسِّل التراب بيديه، ويمسح بهما وجه الميت وكفيه، ولو بحائل وقفازات، فإن تعذر أو شق ذلك فلا طهارة عليه، فيصبح حكمه ككحكم فاقد الطهورَين (الماء والترب).
وكذلك التكفين: فإن أمكن تكفين الموتى بالكفن الشرعي فهو المتعيّن، وإن تعذر لعدم كفاية الأكفان أو صعوبة الوصول للميت وتحريكه، ونحو ذلك: فيكتفى بلفهم في ثيابهم، وإن كان المرض شديداً واحتيج للوقاية منه فيجوز وضع الموتى في أكياس ويكون الكفن فوقها، أو يوضعون في توابيت خاصة، بحسب ما تقتضيه الأحوال.
رابعاً: تجب صلاة الجنازة على موتى المسلمين (وجوب كفاية)، فيكفي للصلاة عليهم أن يقوم بذلك بعض المسلمين، وخاصة إن كانت ستصلى عليهم في وقت أو مكان خاص، فإن تعذرت الصلاة عليهم في المستشفى أو غيرها، أو قامت السلطات بدفنهم قبل الصلاة عليهم: فيمكن أن يُصلى على القبر، أو تصلى عليهم صلاة الغائب في أي مكان آخر.
خامساً: يجب دفن الموتى بالطريقة الشرعية المعروفة، ويدفن كلُّ ميت في قبر مستقل، فإن تعذّر ذلك فيوضع في القبر الواحد أكثر مِن ميت للضرورة، والأصل أنه لا يجوز حرق جثث الموتى، وعلى المسلمين أن يحرصوا على دفن موتاهم إلا إذا أُلجئوا إلى ذلك، وعلى المسلمين في الدول غير الإسلامية أن يطبقوا ما يستطيعون مِن هذه الأحكام (إذ لا يسقط الميسور بالمعسور)، فإن عجزوا عن شيء منها فليسوا مؤاخذين بذلك.
وختاماً: فإننا نذكر إخواننا المسلمين بضرورة الرجوع إلى الله والتوبة إليه، والتضرع له بكشف هذه الغمة، ومن ابتلاه الله بضررٍ بسبب هذه الأمراض أن يحتسب ذلك عند الله تعالى حتى يؤجر عليها، قال صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصيبُ المُؤمنَ مِن وَصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ حتَّى الهمّ يُهَمُّهُ، إِلا كُفِّرَ به من سيئاته» أخرجه البخاري ومسلم، كما نرجو لمن توفي بهذا المرض أن يكتبه الله تعالى مع الشهداء، لما ورد ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «ومَن ماتَ في الطَّاعُونِ فَهو شهيد، ومَن ماتَ في البطن فهو شهيد» أخرجه مسلم.
نسأل الله تعالى أن يرفع البلاء، ويشفي المرضى، ويرحم الأموات، ويعين المتضررين، والحمد لله رب العالمين
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء | ||
1- الشيخ أحمد حمادين الأحمد 2- الشيخ أحمد حوى 3- الشيخ أحمد زاهر سالم 4- الشيخ أسامة الرفاعي 5- الشيخ أيمن هاروش 6- الشيخ عبد الرحمن بكور 7- الشيخ عبد العزيز الخطيب 8- الشيخ عبد العليم عبد الله 9- الشيخ عبد المجيد البيانوني 10- الشيخ علي نايف شحود 11- الشيخ عماد الدين خيتي 12- الشيخ عمار العيسى | 13- الشيخ فايز الصلاح 14- الشيخ محمد الزحيلي 15- الشيخ محمد جميل مصطفى 16 – الشيخ محمد زكريا المسعود 17- الشيخ محمد معاذ الخن 18- الشيخ مجد مكي 19- الشيخ مروان القادري 20- الشيخ ممدوح جنيد 21- الشيخ موسى الإبراهيم 22– الشيخ موفق العمر 23- الشيخ ياسر الجابر |