بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى: 55
تاريخ الفتوى: الأربعاء 30 شعبان 1444هـ 22 آذار / مارس 2023م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمـد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
أولاً: صدقة الفطر:
– الأصل في وجوبها: ما ثبت في «الصحيحين» عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً مِن تمر، أو صاعاً مِن شعير، على الحرِّ والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير مِن المسلمين، وأن تُؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة).
– حكمة مشروعيتها: ما روى أبو داود في «سننه» عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاةَ الفطر طُهرةً للصائم مِن اللَّغو والرفث، وطُعمةً للمساكين، مَن أداها قبل الصلاة؛ فهي زكاةٌ مقبولة، ومَن أدّاها بعد الصلاة؛ فهي صدقةٌ مِن الصدقات).
– على مَن تجب: تجب زكاة الفطر عند جمهور الفقهاء على كلِّ مسلم مَلَكَ صاعاً فاضلاً عن قوته وقوت عياله ليلةَ العيد ويومَه، وإن كان محتاجاً بقيةَ أيامه، فيُخرج زكاة الفطر، وتجب عليه، ولو كان غناه بسبب ما يُعطَى له مِن صدقات أو زكوات، حيث يجوز له الأخذُ من صدقات الفطر لحاجته، لذلك جاء في الحديث: «أمّا غنيكم؛ فيزكيه الله، وأما فقيركم؛ فيردّ الله تعالى عليه أكثر مما أعطى» رواه أبو داود، ومَن وجبت عليه صدقة الفطر وجبت عليه عمن هم في عياله ومَن تلزمه نفقتهم، ومَن أراد أن يخرجها منهم عن نفسه؛ فذلك جائز.
– مقدارها: صدقة الفطر عند جمهور الفقهاء صاعٌ مِن الأصناف التي بيّنتها السنة فيما روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نُخرِج زكاة الفطر صاعاً مِن طعام، أو صاعاً مِن شعير، أو صاعاً مِن تمر، أو صاعاً مِن أقِط، أو صاعاً مِن زبيب)، وقد فُسِّر الطعام بغالب قوت البلد، فمَن أخرج صاعاً مِن هذه الأصناف فقد أدّى ما عليه، ومَن اختار إخراجها طعاماً؛ فيُفَضَّل أن يخرجها مما يقتاته الناس مِن الطعام.
وبالنظر إلى تجويز السّادة الحنفية (وعددٍ مِن الفقهاء الآخرين) إخراجَ القيمة في صدقة الفطر، ومراعاةً لمصلحة الفقراء والمحتاجين في هذه الأحوال والأزمنة؛ فإننا نفتي بجواز إخراج القيمة، وأقلها على مذهب الحنفية قيمة نصف صاع من القمح (أو مشتقاته)، ويعادل نصف الصاع عند الحنفية (1,9) كغ. وقدرنا متوسط قيمة نصف صاع من القمح ومشتقاته في المحرر من أرضنا بـ (11000) ليرة سورية أو ما يعادل (30) ليرة تركية، ويستحسن للمستطيع أن يزيد عن ذلك؛ لأنّ الأصناف المذكورة في الحديث متفاوتة القيمة، وربما تبلغ قيمةُ بعضها أضعافَ قيمة غيرها.
وأما السوريون المقيمون في دول أخرى؛ فعليهم أن يتبعوا ما تحدّده دوائر الفتوى في تلك البلاد.
– وقت إخراج زكاة الفطر وجواز تعجيلها: ذهب جمهورُ الفقهاء إلى جواز تقديمها على ليلة العيد؛ وذلك لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تُخرَجَ قبل صلاة العيد، ولم يُقيِّد ذلك بغروب شمس اليوم الأخير مِن رمضان، واختار بعض الفقهاء جواز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وكانوا يعطُون _ أي الصحابة رضي الله عنهم _ قبل الفطر بيوم أو يومين) رواه البخاري، كما أجاز آخرون التعجيل بدفعها ولو من أول رمضان.
ونحن نرى جواز التعجيل قبل العيد بأيام، وخصوصاً عند توكيل الجمعيات والجهات الخيرية؛ لتتمكن مِن جمعها والعمل على إيصالها للمستحقين في وقتها، وهذا التوكيل مِن الدافع تبرأ به ذمتُه؛ لما ثبت في «الموطأ» عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه: (كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تُجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة).
ونؤكّد على جواز إرسال صدقة الفطر مِن المقيمين خارج البلاد إلى الفقراء في سورية؛ لشدة الحاجة، وخصوصاً بعد كارثة الزلزال المدمر، بحيث تصل للمستحقين قبل صلاة العيد، ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد، ويكون تقديرها على حسب القيم في البلاد التي يقيمون فيها حيث وجبت.
ثانياً: الفدية:
– أما الفدية التي جعلها الله تعالى بدلاً عن الصيام لكبار السّن الذين يشق عليهم الصيام، أو للمرضى الذين لا يستطيعون الصّيام، ولا يرجى شفاؤهم؛ فهي طعام مسكين، كما بَيَّنَ ربنا سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾[سورة البقرة، الآية: 184]، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير الآية: (هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيُطعمان مكان كلِّ يوم مسكيناً)، فمَن أراد أن يخرجها مِن الأقوات؛ فيطعم عن كلِّ يومٍ مسكيناً بمقدار مد من الطعام (والمد ربع صاع) وهذا مذهب الجمهور، وذهب الحنفية الى أن أقل الواجب هو نصف صاع من القمح قياسا على زكاة الفطر، ورعاية لحاجة الفقراء فإننا نفتي من أراد إخراجها بالقيمة أن يخرج مثل أقل قيمة الفطرة عند الحنفية وهو (11000) ليرة سورية أو ما يعادل (30) ليرة تركية، ومَن أراد أن يزيد فذلك خير؛ لقوله تعالى: ﴿فمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فهو خَيْرٌ له﴾[سورة البقرة، الآية: 184]، وأما السوريون المقيمون في دول أخرى فعليهم أن يتبعوا ما تحدّده دوائر الفتوى في تلك البلاد، والأفضل أن يزيد مَن وسع الله تعالى عليه.
ويجوز أن تدفع الفدية يومياً في رمضان، أو تجمع لعدة أيام وتدفع، أو أن تدفع بعد العيد، مع أفضلية التعجيل ما أمكن.
ونقول هنا كذلك بجواز إرسال الفدية مِن المقيمين خارج البلاد إلى الفقراء في سورية؛ لشدة الحاجة أيضا، وخصوصاً بعد كارثة الزلزال المدمر، ويكون تقديرها على حسب القيم في البلاد التي يقيمون فيها حيث وجبت، والله تعالى أعلم.
نسأل الله تعالى القبول والتوفيق، وأن يعيننا وإياكم على الصيام والقيام وغص البصر وحفظ اللسان، والحمد لله رب العالمين، آمين.. آمين.
مجلس الإفتاء السوري